وقبل الشروع أذكر للقارئ الكريم أمرًا -وما أحببت ذكره- وهو أني حرصت غاية الحرص على عرفات المحمدي، وعبد الإله الجهني، وكم نصحتهما -وهم يشهدان بذلك- فكانت تأتي الشكاوى للشيخ محمد -حفظه اللّٰه-، وهما أو أحدهما السبب فيها، فأنبههما وأحاول أن أساعدهما ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وما كان هذا مني إلا نصحًا من الأخ لأخيه، واللّٰه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا باللّٰه.
ثمَّ اعلم أخي القارئ الكريم –وفقك الله- أنَّ منشأ الخلاف بين فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي –حفظه الله- وبين الصعافقة، هو أنَّ الشيخ محمدًا –حفظه الله- كان يرفض رفضًا تامًا بأنْ يتدخل هؤلاء الصعافقة في شئون الدعوة السلفية، لتوافر العلماء أولًا، وعدم أهليتهم ثانيًا.
وقد نصح فضيلته –حفظه الله- هؤلاء الصعافقة بألَّا يتدخلوا في هذه المسائل، فإنَّ المرجع فيها إلى أهل العلم الكبار، الذين يُقَدِّرُونَ عواقب الأمور، والذين هم أصحاب تجربة وحنكة في مثل هذه القضايا.
ومن تلكم القضايا على سبيل المثال لا الحصر : تدخلهم في شؤون الدعوة في اليمن، وفي الكويت، بل والسعودية وغيرها
وكم سَبَّبَ هذا التدخل من شقاق وتناحر بين السلفيين، حتى وصل الأمر إلى التحريش بين المشايخ أنفسهم- والله المستعان-،
والشيخ محمد تبلغه أشياء وأشياء عنهم وعن الفرقة التي حدثت بسبب تدخلهم.
وكان الشيخ ويصبر ويوجه وقد نصحهم والله -لا كما يذاع كذبًا: (بأن الشيخ محمدًا لم ينصحهم)!
بل بذل لهم وقته، وجهده، ونصحه، ومن ذلك:
عُقد مجلسٌ مع فضيلة الشيخ محمد بن هادي –حفظه الله-، وحضره كلٌّ من: عبد الإله الجهني، وعبد الواحد المدخلي، وعبد المعطي الرحيلي، ومهند البتار، وكان هذا المجلس في عالية المدينة، واستمر من بعد صلاة العشاء بقليل إلى قبيل صلاة الفجر بساعة تقريبا وكنت حاضرا فيه، وخلاصة القول فيه أنَّ الشيخ قال لهم: (يا أبنائي ألا نكفيكم نحن في هذه الأمور)؟! وقال لهم: إنْ كان عندكم شيءٌ فانقلوه لنا، ونحن نكفيكُم، ولا تتدخلو في مثل هذه الأمور، فكان لهم نِعْمَ الـمُوَجِّه، بألَّا يتدخلوا في مثل هذه القضايا.
لكنهم أبوا إلا أن يحشروا أنفسهم فيما لا قبل لهم به ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وكان من عادة الشيخ –حفظه الله- أنَّه يحرصُ كلَّ الحَرْصِ على جمع الكلمة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا فيما يأتيه من مشاكل وخلافاتٍ هنا وهناك.
وكان أكبر عائق يحول دون إتمام ما يسعى إليه شيخنا من الصلح ولم شمل السلفيين، هو وقوف هؤلاء الصعافقة حاجزا ومانعا ،وذلك -لضعفهم العلمي، وقلة بل وانعدام خبرتهم في معرفة المصالح والمفاسد، وتدخلهم المباشر بين الاشياخ بطرق ماكرة، وأساليب خادعة، من غير خوف ولا ورع، فأوغروا الصدور وحرشوا بين المشايخ بشتى الوسائل ومن ذلك نقل بعض الحقيقة، وطمس كثير من الحقائق ا! مما كان سببا في صدور فتاوى من بعض المشايخ -حفظهم الله- غير مبنية على التصور الصحيح لكثير من القضايا .
والواجب على من وفقه اللّٰه لملازمة عالم من علماء الأمة، أن يُذكِّر نفسه دائما بتقوى اللّٰه -جلَّ وعلا- والخوف منه، ومراعات حال إخوانه، والحرص عليهم، وبذل كلَّ ما يستطيع من إيصال الخير للغير: سواء طلبة علم، أو أشياخ، وعلماء.
ولم يقف الأمر هنا بل تفاقم فصاروا يتكلمون في أهل العلم في المدينة النبوية، يجرحون هذا ويحذرون من حضور مجالس هذا حتى أوقعوا المشايخ في حرج بسبب جهلهم وانعدام خبرتهم ومعرفة المصالح والمفاسد.
وازداد خطرهم على الدعوة السلفية المباركة، حينما كثرة مشاكلهم وعظمت فتنتهم مما ينقل للشيخ محمد ويصله عنهم من تدخل سافر في شئون الدعوة في البلاد المختلفة، مجانبين الحكمة فيما يقولون، وفيما يفعلون، ولا يتحاشون فيما يفتون!
ذلك كلُّه وغيره -مما سيأتي- كان من الأسباب التي دفعت الشيخَ –حفظه الله- لأْن يتكلم فيهم؛ لئلا يغتر بهم عامة السلفيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.
ولـمَّا عَلِمَ فضيلةُ الشيخ محمد –حفظه الله- بدورةٍ ستقام في ألمانيا يشارك فيها: عبد المعطي الرحيلي ، وبندر الخيبري، لم يرتضِ ذلك، لأنَّه يعلم من حالهم عدم الأهلية للتصدر لمثل هذه المحافل والدورات.
ومن الأمور التي تؤكد نصح وحرص الشيخ محمد بن هادي على بذل التوجيه والإرشاد موقف كنت فيه مع شيخنا بالرياض وهو: أنَّه أُعلِنَ عن دورةٍ لفضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان –حفظه الله-، بمدينة جُدة ويشارك فيها معه غيره، بلغ الشيخَ من أحد الإخوة أنَّ عرفات المحمدي يحذر من هذه الدورة فأمرني شيخنا أن أحضر له ورقة وكتب فيها نصيحة للأخ عرفات، وقال لي: صورها ثمَّ أرسلها له، ففعلت، ثمَّ بعد ذلك آمرني أن أمسحها حرصًا منه -حفظه اللّٰه- على سرية النصيحة، ووفاءً منه -حفظه ربي وبارك فيه- وفعلت كما أمرني به
وخلاصة ما في هذه الورقة هي نصيحة من أب حنون لت
لميذ من تلامذته مفادها (توجيه الأخ إلى عدم الدخول في مثل هذه المسائل؛ وهي مسائل الجرح والتعديل، وإحالة هذا للعلماء الكبار الذين هم أهل لهذا الفن والاختصاص).
ومع علمي التام بثقة الشيخ فيَّ، ولكنَّ الشيخ –حفظه الله- غاية ما يكون في الحكمة، وغاية في ما يكون حريصًا على ابناءه وطلابه والله المستعان.
وقد تواصلت بنفسي مع الأخ عرفات، وقلت له: لا تدخل نفسك في هذه الأمور، فنفى أن يكون حذر من الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله-، بل حذَّر ممن هم مع الشيخ –حفظه الله.
ثمَّ أرسل عرفات رسالة اعتذارٍ للشيخ محمد بن هادي –حفظه الله-.
وهذه الحادثه وغيرها تدل على بذل نصح شيخنا لهم وتوجيههم.
ثمَّ تكرر منهم الدخول في مثل هذه القضايا الكبار، فكانوا عَقَبَةً كؤودًا في الدعوة السلفية، مع مالهم من يدٍ طولى، وأثر بالغ في تفريق الدعوة وتشتيتها، داخل المملكة وخارجها.
حينها –وبعد صبر ونصح- رأى الشيخ –حفظه الله- ضرورةَ التحذيرِ منهم، ومن مسلكهم؛ نصحًا للخلق، وإيضاحًا للحق، والله الموفق.
كتبه: أشرف أحمد البيومي
السبت: 29/ 11/ 1439ه.